Home زوايا لعنة بابل: عن اهمال العرب للغتهم الجميلة
لعنة بابل: عن اهمال العرب للغتهم الجميلة

لعنة بابل: عن اهمال العرب للغتهم الجميلة

318
0

غسان فران – في سِفر التكوين، قصة تقول إن البشر كانوا يتكلمون بلغة واحدة. وبعد بناء برج بابل كمحاولة من سكان المدينة بلوغ السماء، غضب الله عليهم وأوقع الإختلاف في كلامهم، لكي لا يتفقوا مرة أخرى على التطاول على الآلهة. ونتج عن ذلك التنوع اللغوي البشري… ولذلك سميت بابل، لأن الله بلبل اللغة فيها. ومن هذه القصة، انطلق بلال عبدالهادي في كتابة (لعنة بابل).

يتكلم الكاتب متأسفًا عن واقع العرب اليوم، بسبب إهمالهم للغتهم وخجلهم منها. وتبجح البعض بصعوبة اللغة العربية والإفتخار بذلك. خصوصًا عندما يتعمد البعض التحدث بطريقة متكسرة لغويًا للمحافظة على (البرستيج). ويعتبر أن اللغة العربية محظوظة بين اللغات، رغم سوء حظها الراهن بأبنائها.

يروي الكاتب حادثة طلاق حصلت في مصر بسبب اللغة. فالزوجة خريجة جامعة أمريكية وتحب التحدث بالإنكليزية، بينما الزوج ورغم ثقافته الإنكليزية ولطافته، لا يتكلم معها إلا بالعربية، فكانت تتقلص وتنكمش وتشعر بعار لا يطاق أمام زملائها.

يبحر عبدالهادي في جذور اللغة العربية، ويستعرض بعضًا من الكلمات التي تتقبل التقليب، مثلًا:
كلمة (سجن) مع التقليب يمكنها أن تكون (جنس) و(نجس) و(نسج). وكذلك (لحم) و(ملح) و(لمح) و(حلم) و(حمل) و(محل).

يظهر في الكتاب بشكل ملحوظ إعجاب الكاتب بشعوب شرق آسيا وتحديدًا الشعب الياباني. فيروي في باب (تَرجموا قبل أن تُرجموا) نقلًا عن الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين، أن اليابان أرادت أن تعين سفيرًا لها في الكويت، إلا أنها طلبت منه قبل استلام منصبه ترجمة مقدمة ابن خلدون إلى اللغة اليابانية.

يقرّ الكاتب أن العربية ليست أفضل اللغات بالمطلق. لأن الله أنزل شرائعه بلغات متعددة. فكل لغة بحد ذاتها آية. ويستشهد بنص قرآني “ومن آياته خلق السمٰوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم” -الروم ٢٢-.

يشرح الكاتب أسماء ومصطلحات تبلبلت. كإسم (ميرفت) والذي هو بالأصل (مروة)… وكلمة الشتم (يلعن حريمك) تحولت إلى (يلعن حريشك). وأن بين العربية والعبرية كلمات متشابهات، ككلمة (هلاك) بالعبرية والتي تعني (المشي) بالعربية.
ويقول إن كلمة (كرواسان) الفرنسية والتي تعني الهلال بالعربية، لها صلة في دبّ الذعر في فيينا عاصمة النمسا. ويتحدث من خلال قصة موثقة أن للكرواسان علاقة بالصراعات الدينية والخدع الحربية والإنتصارات.
(القصة في صفحة ١١٦-١١٧-١١٨-١١٩).

يذكر الكاتب أحداثًا سياسية أثرت على اللغة. كالذي فعله الرئيس التركي أتاتورك بتحويله حرف اللغة التركية من الحرف العربي إلى اللاتيني. وما فعلة الصيني ماو تسي تونغ، الذي حول الكتابة الصينية من الشكل العامودي (من فوق إلى تحت)، إلى الكتابة بشكل أفقي كما هو الحال في الكتابة العربية والفرنسية..

وفي الكتاب معلومة أعجبتني. فكلمة (سيبويه) كلمة فارسية-مجوسية وتعني (رائحة التفاح). وكما هو معروف أن سيبويه اسم لإمام النحاة العرب. ويتساءل الكاتب: “هل علاقة سيبويه بالتفاح هو مادفع أبو جعفر النحاس إلى تأليف كتاب في النحو بعنوان(التفاحة في النحو)”؟.

يختتم بلال عبدالهادي كتابه بباب (كلام الخرسان)، ويقول:
“لا تزال أسطورة بابل صاخبة من الذهن البشري، فبرج بابل بلبل الألسنة، ولكنه لم يبلبل الأصابع ولا تعابير الوجه”.