كتب المحرر الاقتصادي
اعتبرت “بلومبرغ” في تقرير لها أن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة بعد مرحلة انهيار دامت 13 شهرًا هو خبر سارّ للغاية بالنسبة إلى بلد يعاني من تداعيات الانهيار الاقتصادي والتعنت السياسي والمخالفات المالية وتدخّل القوى الأجنبية، فضلاً عن انفجار مرفأ بيروت العام الماضي الذي دمّر العاصمة ولا يزال غامضاً، لافتاً في الوقت عينه إلى أن أزمة لبنان الوجودية لم تنطوِ بعد. وبحسب الوكالة، صحيح إعلان تشكيل الحكومة في 10 أيلول الجاري والذي ترافق مع تعافٍ فوري وملحوظ في قيمة الليرة اللبنانية، سيتيح للبنان الحصول على مئات ملايين الدولارات التي وعد بها المانحون وعلى مساعدة من البنك الدولي بقيمة 546 مليون دولار و860 مليون دولار من مخصصات حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، إنما كل ذلك ليس سوى بديل موقت لا سيما وأن عودة نجيب ميقاتي إلى السلطة كرئيس للوزراء أو التركيبة المألوفة لحكومته الجديدة لا توحي فعلا بالثقة، مشيرة إلى أن القيادات السياسية في البلاد، خاصة حزب الله لم يوافق على تشكيل الحكومة إلا لأنّ خيار المزيد من المماطلة لم يعد متوفراً.
تصريحات “بلومبرغ”، ترافقت مع تحذيرات لوكالة التصنيف الدولية “موديز” حول سجل لبنان الضعيف في تطبيق الإصلاحات، الأمر الذي قد يعرّض جهود الحكومة لتغيير الوضع الاقتصادي للخطر، لافتةً إلى أنها قد تُحسن تصنيف لبنان في حال تمت معالجة مشكلة استدامة الدين والعودة إلى النمو الاقتصادي واستقرار الأسعار وتحقيق فوائض أوليّة متكرّرة. واعتبرت الوكالة، أن وضع لبنان السيئ تفاقم نتيجة استنزاف احتياطاته بالعملة الأجنبية مع اشتراط صندوق النقد الدولي تنفيذ عدة إصلاحات قبل الإفراج عن أي مساعدات تتضمن تطوير أنظمة الحوكمة وبدء التدقيق في حسابات مصرف لبنان والمؤسسات التابعة للدولة وتصحيح المالية العامة عبر إعادة هيكلة الدين وإلغاء تعدد أسعار الصرف وتطبيق قيود رسمية على تحويل الرساميل.
من جهته، شكّك معهد التمويل الدولي في تقرير له حمل عنوان “لبنان: تفاؤل حَذِر مقابل تحديات رهيبة” من إمكانية التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لانتشال الاقتصاد من أزمته الحالية، معتبراً أن الحكومة العتيدة قد تفشل في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية الأساسية لأنّ أكثر من نصف الوزراء يُدينون بمواقفهم لانتماءاتهم السياسية التي قد تمنع تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، متوقعاً انكماش الاقتصاد بنحو 8 في المئة عام 2021 مقارنة بـ 26 في المئة عام 2020.
يحتاج لبنان اليوم إلى وضع الخلافات السياسية جانباً وإلى برنامج إصلاحي شامل لمعالجة الاختلالات الاقتصادية الكلية والاختناقات الهيكلية وإعادة النظر بالخسائر المالية وتوحيدها بين مصرف لبنان والحكومة الجديدة كنقطة انطلاق قبل استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ووفقاً لـ “بلومبرغ”، قد يكون لبنان حَظي بفسحة للتنفس، لكن ثمة أمر ينبغي ألا ينساه زعماؤه والعالم من حوله وهو أن أزمة لبنان الوجودية لم تنطوِ بعد.