أمّا وقد اقترب الإتفاق “التاريخي” على ترسيم الحدود البحريّة المُتنازع عليها حتّى بات ممكناً القول بأنّ حلم لبنان في الإنضمام إلى نادي “الدول النفطية” سوف يتحوّل إلى حقيقة فور توقيع الاتفاق بشكل رسمي ونهائي. بعيداً عن متاهات السياسة ومُقايضاتها الخفيّة ومصالحها المُتشابكة، قد تكون هذه الخطوة مدخلاً لإنجاز الاستحقاقات الدستوريّة القادمة ومقدّمةً لحلحلة الوضع الاقتصادي المتأزم. ومع سيطرة بعض الأجواء الايجابية، يأمل لبنان بأن ينعم بهذه الثروة الطبيعيّة رغم أنه حتى اليوم لا يوجد أي دليل قاطع يؤكّد وجود احتياطات من الغاز الطبيعي. ولكن ماذا لو وُجد الغاز فعلاً، كيف ستتمّ الإستفادة منه وما هي مكاسب هذا الإتفاق على الإقتصاد اللبناني المنُهار؟
وفق مصادر مطّلعة، الغاز لن يُبصر النور قبل 4 أو 5 سنوات على الأقل، فالعمليّة تتطلّب العديد من جولات الاستكشاف والحفر والتنقيب قبل الوصول إلى مرحلة استخراجه من البحر. كما أنّ هذه الفترة تستوجب أيضاً وضع خطط ناجعة واتباع استراتيجيات مدروسة واعتماد رؤيا نفطية واضحة المعالم من أجل الاستفادة من عوائد الثروة النفطية اللبنانية التي تقدّر بحوالي الـ 200 مليار دولار، وهي إن تمّ استغلالها بالشكل الصحيح سوف تلعب دوراً رئيسياً في تحريك الاقتصاد المشلول وإغاثة مختلف قطاعاته ومؤسساته على الشكل الآتي:
- زيادة كفاءة قطاع الكهرباء عبر تطوير البنى التحتية وبناء معامل جديدة ومحطات توليد طاقة تستخدم الغاز الطبيعي ، أو حتى الاستفادة من المعامل الموجودة حاليّاً والتي يمكن تشغيلها على الغاز المُستخرج بدل الفيول أويل والديزل، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة ساعات التغذية وإلى توفير كلفة استيراد مواد المحروقات للكهرباء التي وصلت بين عامي 2000 و2020 إلى ما يقارب الـ 23,5 مليار دولار.
- المساهمة في تخفيض حجم الدين العام الذي سجّل أكثر من 150 بالمائة من الناتج الآجمالي، خاصة وأنّ خسارة قطاع الكهرباء البالغة سنويّاً المليارين ونصف المليار دولار تتحمّل الجزء الأكبر منه.
- إعادة تحريك العجلة الاقتصادية المتوقفة عبر استقطاب شركات الاستثمار العالميّة المتخصصة وما تضمّه من كوادر وموظفين يحتاجون إلى خدمات أساسية من مسكن وملبس ومأكل، مما سيزيد الطلب عليها و يؤدي إلى إنعاش الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
- إدخال العملة الصعبة وعودة تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى داخل لبنان. هذا يعني الحد من تدهور الليرة اللبنانية التي فقدت أكثر من 90 في المئة من قيمتها مقابل الدولار وإعادة الثقة بالعملة الوطنية. وبالتالي، تحسين القدرة الشرائية للمواطن وتراجع في أسعار السلع والمواد الاستهلاكيّة.
- خلق فرص عمل جديدة للشباب اللبناني في سوق العمل سواء كانت مرتبطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في قطاع النفط والغاز مما يُسهم في إرتفاع الدخل الفردي والقومي وخفض معدلات البطالة التي سجّلت حوالي الـ30 في المئة مطلع العام 2022.
- استخدام الغاز في القطاعات الحيوية والانتاجية مثل قطاعات الصحة والتعليم والصناعة والزراعة والتكنولوجيا الحديثة، والذي يساعد في تشجيعها على زيادة انتاجيتها وخلف فرص استثمارية جديدة ويساهم في تحقيق التنمية وزيادة النمو.
- فتح باب السوق اللبناني أمام الكثير من الشركات اللبنانيّة في مختلف القطاعات لتلبية كافة الاحتياجات لا سيما تلك المتعلّقة بتوفير المستلزمات اللوجستية من شحن ونقل وتأمين المعدات والأدوات اللازمة لعمليّة التنقيب، حيث يُعدّ تنفيذ الخدمات اللوجستية عاملًا أساسيا للنمو الاقتصادي.
- تعزيز إمكانية مؤسسات الدولة من أجل تطوير نفقاتها العامة، سواء كانت نفقات عادية متعلّقة بالرواتب والأجور والخدمات والمنح الاجتماعية، أو نفقات تجهيزية عبر الاستثمار في مشاريع البنى التحتية الضرورية.
منذ نشأته، كان لبنان وما يزال تحت مجهر الأطماع الداخليّة والخارجيّة التي تناوبت مراراَ وتكراراَ على نهب خيراته والاستيلاء على ثرواته الطبيعية. واليوم يقف هذا البلد المُنهك اقتصادياً واجتماعياً ومالياً ونقدياً أمام فرصة حقيقية هو في أمسّ الحاجة إليها من أجل النهوض من الركود والإفلاس والإنهيار الشامل. هذا ويكمن التحدّي الأكبر في كيفيّة استغلالها في ظل تجذّر الفساد في بنية الدولة ومؤسساتها العامة وتمادي االطبقة السياسية الحاكمة في هدر وسرقة وإسراف المال العام، فضلاً عن وقوفها عاجزة عن تنفيذ أي من الاصلاحات المطلوبة للحصول على إنقاذ مالي من صندوق النقد الدولي. أضف إلى ذلك، فقدانها ثقة اللبنانيين التامة في التعاطي مع أي ملف جوهريّ فكيف الحال إذا قامت بوضع يدها على مصير أموال وأرباح استخراج النفط!!
فهل سيتمكّن لبنان وطناً واقتصاداً وشعباً من التنعّم بما يختزنه بحره أم أنّ هذه النعمة ستتحوّل بفضل نهم وفساد الطامعين إلى نقمة تزيد من أزماته واضطراباته وانقساماته؟