Home لبنانيات كيف خدعنا الفاجر ماكرون؟
كيف خدعنا الفاجر ماكرون؟

كيف خدعنا الفاجر ماكرون؟

6
0

كان الزمن غداة التفجير الهيولي للعاصمة يوم 4 آب 2020، وكان قلب بيروت رماد، العاصمة تلملم جراحها، وبيروت الأبية تعج بالشبان والشابات من المتطوعين الذين هبوا من كل جهات لبنان لرفع الأنقاض وبلسمة جراح مئات ألوف الموجوعين بالقول لهم، بالحضور والعمل: لستم وحدكم!
في هذا التوقيت زار ماكرون بيروت! ممثل ماهر إعتذر من ميشال عون الذي إستقبله على أرض المطار وأبلغه أنه سيتفقد قلب العاصمة والمرفأ المدمر. وصل على عجل وللصراحة أحدث حضوره مفاجأة للمواطنين وهم يرونه بينهم يطبطب على مسنة يستمع إلى شاب ويطلق الوعود: شو الحكي عليه جمرك أليس هذا واقع البلد؟ وللإنصاف أحدث وجوده صدمة إيجابية بعدما كان الناس قد شاهدوا رئيس دولتهم يقف على مكان مطل على المرفأ، وقد دس كلتا يديه في جيب بنطاله وحوله قوة مدججة من الحرس الجمهوري!
راقب الزائر المرفأ وراح يلتقي ويفاوض أركان الطبقة السياسية إياهم. الحقيقة لولا زيارة ماكرون لكان العشب نمى على دراج بيوت أغلب السياسيين، لكن ما جرى، بعيداً عن فولكلور الزيارة الثانية التي بدأها ماكرونمن منزل السيدة فيروز، وبعيداً عن المؤتمر الصحفي الصاخب للرئيس الفرنسي الذي لم يترك للطبقة السياسية ستراً مغطى، نجح في تعويم المافيا المتسلطة على البلد وهو قال:أنا لم أنتخبهم، أنتم من إقترع لهم والرجل اللعين ديموقراطي حريص كل الحرص على ما تبلوره صناديق الإقتراع!
بتأخير تطلب مرور بعض الوقت تبين أن أكثر ما كان يقف خلف هذا “الحرص” وضع الفرنسيين اليد على المرفأ مقابل بعض السنتات، ولاحقاً حجز المكان الأبرز لتوتال للتنقيب عن الغاز والنفط إن تم السماح بذلك للبنان(..) وأتحفنا بهدية بهدية إستثنائية هي وزيرين في حكومة ميقاتي هما بين أبرز وجوه تمثيل الثنائي المذهبي في الحكومة، ولو المكان يتسع لإستحق وزير حزب الله الحمية يومية كاملة في أقل تقدير.

كل ما تقدم بعض من تجربة اللبنانيين مع الرئيس الفرنسي الذي يمثل في هذا الزمن قمة بين الوجوه المتواضعة(…) التي تتصدر المشهد العالمي. مآثره في فرنسا ليست قليلة وهو إنتهج سياسة ألإنقضاض على حقوق مكتسبة تاريخية للفرنسيين، في سن التقاعد وفي التقديمات المختلفة، كل ذلك من خلفية إقتصادية لبنكرجي حدد جيداً أولويته كإمتداد للساركوزية وإن كان قد برز شخصياً في حقبة الرئيس هولاند. هذه الأولوية مثلت على الدوام تنفيذ برامج القوى اليمينية، واليمين المتطرف، ليصل الوضع إلى حافة الهاوية: طالما انه ينفذ هذا البرنامج المتطرف فلماذا لا يأتي إلى السلطة الأصل لتنفيذ ذلك؟ فقدم نفسه أنه الخيار الأمثل لإستبعاد المتطرفين وهكذا حصد في الرئاسيات ملايين الأصوات الرافضة له والتي إقترعت ضد مارين لوبن!
سعى لتكرار ذلك في الإنتخابات البرلمانية لكن المفاجأة كانت ضخمة مع إعلان قيام الجبهة الشعبية” التي من اللحظة الأولى أحدثت نهوضاً فرنسياً وتأكد أن قوى “الجبهة الشعبية” هي المدافع الصلب عن الجمهورية الفرنسية وقيمها بوجه اليمين العنصري المتطرف. وكان قرار “الجبهة الشعبية” في الدورة الثانية حرمان قوى التطرف من أي صوت إضافي، فجرى تبادل مع التحالف حول ماكرون فسحبت الجبهة نحو 134 مرشحاً مفسحة في المجال لأن يفوز مرشح من التحالف المؤيد للرئيس، فيما سحب هذا التحالف نحو 78 مرشحاً لصالح مرشحي الجبهة. وقالت فرنسا كلمتها بفوز “الجبهة الشعبية” بالمركز الأول مع 193 مقعداً.. وبدأت مناورات إبعاد الجبهة الشعبية اليسارية عن حقها بتأليف الحكومة وواجب الرئيس الإنصياع إلى صناديق الإقتراع. السؤال هل درس ماكرون بدقة التجربة اللبنانية بهذا المجال أو أنه ضليع بهذا النوع من الأداء المدمر للديموقراطية؟
رفض تسمية مرشحة الجبهة لتأليف حكومة تلتزم برنامج “الجبهة الشعبية” لإنقاذ فرنسا، وفشل بإجتذاب أي جهة من التحالف اليساري والخضر، وقالوا أن العقبة تكمن في مواقف “فرنسا الأبية” ورئيسها ميلانشون، فرد الأخير بالإعلان أن “فرنسا الأبية” لا ترشح أيٍ من أعضائها لرئاسة الحكومة ولا تريد أن تتمثل بأي وزير بل تطلب حكومة من الجبهة وإلتزام البرنامج الذي وصفه 300 إقتصادي فرنسي، وبينهم الفرنسية حاملة نوبل للإقتصاد العام الماضي آستر دوفلو،Esther Duflo ، بأنه البرنامج الواقعي الوحيد والذي يحدد مقابل كل إنفاق من أين يمكن الحصول على الواردات! لكن ماكرون وكل القوى اليمينية كشروا عن أنيابهم وأعلنوا: لن نمكن اليسار من الحكم؟
بعد شهرين، وعلى الطريقة اللبنانية، سمى ماكرون لتأليف الحكومة السياسي اليميني المحافظ ميشال برناييه، الذي نال حزبه 44 مقعدا في الجمعية الوطنية! وبدا من اللحظة الأولى أن برناييه رهينة عند مارين لوبن وحزبها العنصري!
ملايين الفرنسيين قالوا في باريس و130 مدينة فرنسية أخرى، أنهم يرفضون إقدام ماكرون إنكار الديموقراطية وسرقة الإنمتخابات بعد رفضه تسمية مرشح “الجيهة الشعبية” الجديدة الفائزة بالإنتخابات. وسبق التحرك الذي عمّ فرنسا، نشر مؤسسة “إيلاب” لإستطلاع الرأي، نتائج مسح لكل المناطق الفرنسيبة أظهر أن “74 % من الفرنسيين يعتقدون أن ما كرون تجاهل نتائج الإنتخابات، ويعتق 55% من بينهم أن ماكرون سرق هذه النتائج”!
وهكذا قال الشارع إن الفرنسيين يرفضون إقدام ماكرون على سرقة نتائج الإنتخابات، وقالوا أنهم سيسقطون حكومته، وذهب حزب “فرنسا الأبية” إلى طرح إقالة ماكرون. وكانت الأعداد تتكاثر وتغطي الشوارع في باريس ويمتد الزحف نحو ساحة الجمهورية، لا تعيقه تحت زخات المطر التي إنهمرت على المحتجين من النقابات الفرنسية، ومن القوى المدنية والجامعات خصوصاً، ومن أحزاب “الجبهة الشعبية”. وجرى التوافق بين القيادات السياسية على بدء الإضرابات العامة بوجه ماكرون وسياساته بدءاً من أول تشرين أول القادم.


tags: