Home ولكن أن نتذكّر المفتي خالد .. لنعيد إحياء الدار !
أن نتذكّر المفتي خالد .. لنعيد إحياء الدار !

أن نتذكّر المفتي خالد .. لنعيد إحياء الدار !

87
0

أوائل التسعينيات، سجّلني والدي في واحدة من مدارس البعثة العلمانية الفرنسية في بيروت، في الليسيه فردان التي كان طريقنا الصباحي اليها من منزلنا في كورنيش المزرعة حافلا بذكرى عالقة في بالي الى يومنا هذا، ذكرى متعلقة بصورة شيخ صوره منتشرة بجنون على الجدران والتقاطعات وتحت جسر الكولا وصولا الى مفرق عين التينة حيث الباب الأخضر الرئيسي للمدرسة.

صورة كنت أنظر فيها وأحدق اليها بعمق واعجاب كبيرين دون معرفة أي قصة أو رواية، لكنني كنت أصر على اسئلتي عن هذا الرجل في الصورة دونما فوز بأية إجابة واضحة.

“شيخ كتير منيح ومات.. لما تكبروا بتعرفوا قصته”. هذا كل ما كان يرشح عن أبي قبل أن يغير الموضوع إما بسؤالي عن مواضيع أخرى أو بإلقاء التحية على بائع الصحف “حسين” الذي أذكر ملامحه هو الآخر حتى اليوم!

إنها طبعا صور صاحب السماحة المفتي الشهيد حسن خالد الذي حلت ذكرى استشهاده في مشهدية حافلة بالغرابة الإشكاليات الزمنية.

فكيف لأجيال لم تعايش مسيرته أن تكون متعلقة به وبنهجه وهي التي أحبته من خلال صورة فقط؟؟ وكيف لجيل شاب لم يُعجب بمسيرة المفتيين محمد رشيد قباني وعبد اللطيف دريان أن يستحضر اسم المفتي خالد في أي استحقاق وطني يفتقد الى مواقف إسلامية وسنية صلبة؟؟

مشهدية تعبّر ببساطة عن حالة اليتم المستفحلة في صفوف الطائفة السنية، لجهة وجود مرجعية قادرة على “هز البلد” بموقفها كما تقول المجالس السنية غير الراضية عن أداء دار الفتوى خلال العقدين الأخيرين وهي مناشدات وصرخات ولاءات لم تجد بعد من يسمعها لارضائها بمواقف تلائمها أو لتحضن أقله الأسئلة المشروعة الهادفة الى تحسين اطلالة الدار على القضايا الوطنية وليس تسجيل النقاط كما يحلو لروّاد القاعة الكبرى القول كردّ تقليدي جاهز منذ أكثر من ثلاثة عقود!

مشهدية تعبر عن رغبة إسلامية سنية بوجود “مرصد” يدرس الواقع اللبناني ويواكبه بمقاربات موزونة وجريئة وتطل عليه بمواقف تُبقي الحالة السنية في الركب الوطني وليس في سرب آخر منعزل عن التغيرات التي لن يكتب لها التحقق اذا ما لم تكن هناك لمسة وطنية وجامعة ومنفتحة في الوقت نفسه من الدار تراعي صوت الناس الذي يملأ الساحات ويتقبل رغبة الشارع بإيجاد البدائل، لمسة متصالحة مع أزمان الحقيقة وقادرة على الفصل ما بين الموقف الوطني والموقف الديني!

هذه المشهدية المطلوبة ليست بمسحيلة، وذلك لحضورها بالاصل في نهج المفتي الشهيد حسن خالد الذي عدت بعد سنوات وتعرفت الى فكره كما حثّني على ذلك أبي في الصغر. نهج لم يستح من اطلاق موقف ديني حيال بلد قائم على التقاسم المذهبي غير أنه في اللحظات الوطنية العصيبة لم يرضَ الا بمواقف أدت لصلابة ومتانة حروفها وعبارتها الى اعجاب الطوائف الأخرى بها لأنها صالحت كل لبنان مع مكوناته!

وعند تعرفي الى فكر المفتي الشهيد قبل أن أكتب عن ذكراه، أدركت أن إصرار الوالد على عدم اعطائي أي إجابة عنه لكونه – أي أبي -كاد أن يقضي شهيدا هو الآخر لدى حدوث التفجير الاجرامي في منطقة عائشة بكار.

أما عن الانتشار الجنوني لصوره في التسعينيات، فالسبب عمق الصدمة الإسلامية والسنية والبيروتية لرحيل هذه العمامة العابقة بالشجاعة الوطنية!

وبالنسبة للصور المعلقة على علو مرتفع وشاهق من جدران بيروت، والتي لم تبهت لسنين طويلة مرت وبعضها ما يزال واضحا حتى يومنا هذا على كورنيش المزرعة ومناطق الملا والزيدانية وعائشة بكار والطريق الجديدة .. كل ذلك كي لا تطالها أيادي الفتنة التي ما كرهت وجها لبنانيا كما كرهت المفتي الشهيد!

لهذا كله، نريد لذكرى مفتينا الشهيد أن تعيد إحياء دار الفتوى كما تريد ساحتها وليس كما يريد سياسيوها!


tags: