خطوات معقّدة بات على حزب الله اتخاذها في أقرب فرصة بعد اغتيال إسرائيل لأمينه العام السيد حسن نصر الله في واحدة من أسوأ النقاط الفارقة على سطور جبهة إسناد غزة التي قرر الحزب فتحها من لبنان بعد ساعات على أحداث السابع من أكتوبر.
الخطوات معقّدة نعم، لكنَّ حزب الله الذي يعوم اليوم على بحر واسع لا بل على محيط مهول من التجارب والعبر والدروس المُستفادة والخيبات وامتصاص الصدمات والخيانات الكبيرة منها قبل الصغيرة سيكون على مستوى تلك الخطوات إذا ما أعاد قراءة مساره السياسي والإقليمي خلال العقدين الماضيين بعين الشفافية والصراحة.
أبرز الخطوات تنازل الحزب عن مكابرته على صيحات بيئته المنتفضة على إيران باعتبارها رمز الخيانة الأوحد للحزب عامة ولنصر الله بشكل خاص. بيئة الحزب التي بات يمكن الوثوق بها أكثر من بيانات الحزب الرسمية وتصريحات وجوهه السياسية.
ففي النهاية ما من أحد قادر على التعبير عن ألم الطعنة سوى ذائقها والأرجح في هذا المجال أن بيئة الحزب ستسبقه باتجاه إثارة هذه السردية التي سيكون من الصعب على الحزب إخمادها بأدوات ما قبل حقبة السيد نصر الله.
تشعر بيئة حزب الله اليوم أنها تورطت لعقود بوهم كذّاب ورَّطها هو الآخر بمسار من التكابر على شركائهم في الوطن عملاً بفائض من القوة بدا في لحظة الحقيقة أنه نسخة طبق الأصل عن أكاذيب طهران الإقليمية.
ويبدو في هذا المجال أن اغتيال نصر الله كان الكذبة الأسمج والأثقل على قلب بيئة الحزب فقررت في لحظة فَقدٍ مفجعة التمرّد على أدبيّات قيّدتها لعقود فامتزجت الدموع مع لاءات الرفض والغضب والامتعاض الفجّ من إيران التي أصرّت خلال الأسابيع الماضية على مواقف وتصريحات ترسّخ العجز وتمهّد للاغتيال وتبتعد عن الدهاء الذي اعتدناه كقرّاء ومراقبين!
عدم اكتراث حزب الله بهذا التحرك التقدّمي لبيئته سيقهرها مرّتين، ولأول مرة يوحي قهر الحزب لبيئته بشرارة مضيئة تحاول صياغة ثورة مأمولة من الوعي. ثورة وحدها القادرة على إعادة حزب الله شيئا فشيئا إلى لبنان ومصالحة بيئته مع مكوّنات لبنان بعد عقدين أسودين تجاوزا معايير النكد السياسي إلى اشتباك طائفي وعقائدي عملت طهران على إذكائه بأدواتها الفتنوية !
مطلوب من حزب الله أن لا يؤذي بيئته أكثر من أذى خسارتها للسيد نصر الله وأكثر من خسارتها لشركائها في لبنان الذي قدّموا أجمل وأروع الهبّات تجاهها فيما كانت قيادة الحزب تتخوف في أروقتها من مدى رسوخ رواسب تاريخ السابع من أيار 2008 في ذاكرة اللبنانيين فتكرر الاحتضان رغم كلّ شيء!
ومن حق بيئة الحزب في غمرة حزنها الكبير على السيد نصر الله توضيح اسئلتها أكثر وإبعاد شعاراتها عن التشفير الذي لا يخدم ثورة الوعي التي نأملها.
عندما تكتب بيئة حزب الله لفلسطين “أهديناكِ أغلى ما نملك” على منصات التواصل الاجتماعي فهذا دليل على وجود صوت داخلي ما زال يحاول تحوير الصرخة المُحقة إلى بوصلة مخادعة!
بيئة الحزب تقصد إيران، ومن حقها قول ذلك بالشكل الذي تريده وبالنبرة التي تختارها بعدما أرهقتها نبرة النفاق الإيرانية السامة والمخادعة !
وعندما تُكثر بيئة الحزب من تشبيه السيد نصر الله بـ “حسين هذا العصر” فإنها تبعث برسالة إلى من اتّهم غيره بالـ “يزيدية” في ذروة ارتكابه للخيانة العُظمى !
بيئة حزب الله وثورة وعيها إضافة مُشعّة وإشراقة عظيمة ننتظرها قريبًا في كل ساحات ومسارح ومنابر وندوات وملتقيات الوطن لبنان !