
هل المنطقة أمام تكرار سيناريو في الضفة الغربية كما حدث في غزة؟ ولمصلحة من فتح جبهة الضفة الغربية الآن؟ ولمصلحة من وضع أعداد كبيرة أمام خطر الترانسفير بإتجاه الأردن لإفراغ الضفة وزعزعة إستقرار الأردن؟ لقد جرت بضعة عمليات شجعت عليها حماس وتبنتها جهات فلسطينية أخرى مثل الجهاد ودعا خالد مشعل، المرتاح في فنادق الدوحة، إلى بدء العمليات العسكرية في الضفة وكل الأرض الفلسطينية.. لكن قبل كل ذلك ورغم سلسلة إقتحامات إجرامية للجيش الإسرائيلي في الضفة، فإنه طيلة 10 أشهر من الحرب على غزة لم تتحرك الضفة، والآن لمصلحة من تحويل الأنظار عن غزة إلى الضفة؟
كل تدقيق بالمشهد يبرز أمام المتابع تلاقٍ في المصالح بين الصهاينة ومحور الممانعة الذي تقوده طهران. أولا نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب، وواقعيا ما عاد لديه شيء في غزة بعد تدميرها وإحتلالها والتمركز على محور فيلادلفيا مع مصر، وشطر القطاع عبر ممر نتساريم، ويبحث عن قيادات وكادرات حماس ويستعيد جثث المخطوفين الذين هم منذ أشهر أخر أولويات السلطة في إسرائيل . ولأنه يريد توسع الحرب، ولم تمنحه طهران هذه الفرصة، رغم كل الضربات على لبنان، وإستهداف مواقع المستشارين الإيرانيين مباشرة في سوريا وتتالي الضربات والصفعات، كان “رد” حزب الله النموذج الذي قررت طهران إعتماده، عله يحفظ ماء الوجه(..)، كذلك نرى أنه بعد أكثر من شهر لم ترد إيران على مقتل هنية في قلب طهران؟ فكان أن حافظ العدو على وتيرة عملياته الإجرامية ضد لبنان، لإستكمال جعل جنوب الليطاني أرضاً محروقة، وتوجه نتنياهو إلى الضفة الغربية لإطلاق المرحلة الثانية من حرب التوحش الهادفة للإجهاز على الفلسطينيين شعباً وأرضاً وقضية، عبر مهاجمة طولكرم وجنين. ولن يتأخر الوقت حتى تنقض آلة القتل والدمار على المدن والمخيمات الأخرى كنابلس والخليل وغيرهما.
في الهجوم على طولكرم وجنين كانت الذريعة جاهزة وهي وجود خلايا إرهابية تابعة لإيران في محيط المدينتين، وخاصة مخيماتهما. وتستعجل تل أبيب تنفيذ مخططها فرض أمر واقع على الضفة الغربية، بعد تدمير غزة وإحتلالها وإقتلاع أهلها ووضعهم أمام أخطر ترانسفير في تاريخ الفلسطينيين. هنا ينبغي التوقف عند المواقف الحمساوية لإشعال الداخل ومواقف الإعلام الإيراني الناطق بالعربية، الذي راح يروج الأكاذيب من أن حماس في الضفة أقوى مما كانت عليه في غزة، ثم تتالت المواقف من نوع أن قيادات القسام تطمئن الشعب الفلسطيني بأن حماس متماسكة قوية ومحورها ضارب في الأرض!
يعني هناك من يقول للصهاينة نحن قوة ضاربة في الضفة ونمتلك قدرات عسكرية كبيرة فتعوا إضربونا؟ ومعروف أنه قبل 10 أشهر ترددت التصريحات نفسها عن غزة. والآن كل ما نراه في غزة هو أن بعض حماس يحلم بالعودة بالوضع إلى ما كان عليه في 6 أوكتوبر وهو المستحيل. هناك تكامل بين طروحات الإعلام الإيراني الناطق بالعربية وما يسعى إليه مجرم الحرب نتنياهو..نعم ما يحصل يعبر عن مصالح اليمين الصهيوني المتشدد في إسرائيل واليمين الإيراني المتطرف الذي يستكمل من جانبه خطوات إنهاء كل ما يمت إلى إمكانية حل الدولتين، فيحدث لقاء المصالح بين طهران وتل أبيب. ويتم كل ذلك مع حالة ترهل خطيرة تمر بها منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وكذلك حركة فتح التي كانت على الدوام رافعة نضال الشعب الفلسطيني. إذاك تستفيد آلة القتل الصهيونية من كل هذا الوضع، وكذلك من حالة مخيفة من اللامبالاة الخارجية حيال الإبادة النازلة بالشعب الفلسطيني. فمع إقتراب موعد الإنتخابات في أميركا والتودد للصوت اليهودي، يتراوح الموقف الأميركي بين دعم ترمب وحزبه الجمهوري لنتنياهو، وحالة رمادية في مواقف إدارة بايدن والمرشحة الديموقراطية كمالا هاريس، ومواقف الحزب الديموقراطي..فيذهب نتنياهو إلى الحد الأقصى في التغول لإنجاز هدف وجود دولة واحدة بين النهر والبحر هي إسرائيل، لأنه في قراءة جدية هناك إنشغال روسي في حربها الأوكرانية، وغياب صيني كما دوماً، وشلل في أوروبا ولا تأثير لمصر والأردن والمجموعة العربية!
وبعد، ما زال الجنوب في عين العاصفة وكل لبنان على أجندة الإستهداف الإسرائيلي، ويدفع لبنان أثمان لا طاقة له بها، كترجمة لأخطر مغامرة أوكل تنفيذها لحزب الله، وتماهت معه بقايا السلطة التابعة، وإنعدم تأثير كل الطبقة السياسية. لكن مشاغل بقايا السلطة كبيرة ونوعية وتبرز مرة في الإصرار على عدم تنفيذ القانون لحماية الأرواح بدرء الموت الزاحف نتيجة الإنبعاثات الخطيرة من شركات الترابة في شكا، فتدير الظهر لقرار مجلس شورى الدولة الذي طلب وقف قرار الحكومة بمهلة سنة للمقالع تلبية لإحتكارات الإسمنت. ويبرز الأداء الخطير لحكومة تعميم العتمة، في مشروع موازنة العام المقبل، مشروع الإيغال في النهب، لتمويل بقاء المتسلطين جاثمين على صدور اللبنانيين.
يحمل مشروع موازنة العام 2025 ضرائب على عموم المواطنين تزيد بنسبة 33% عما كانت عليه في العام 2024. ويبلغ إجمالي رقم الضرائب 101 ألف مليار ليرة، ونسبة 90% منها يتم جبايتها من عامة الناس ونحو 10% فقط من الأثرياء! ويحمل هذا المشروع البذور الرئيسية لإنهاء مجانية التعليم بفرض رسوم شتى في تعارض صارخ مع الدستور، وبما ينهي إمكانية عشرات ألوف الأسر إرسال أولادهم إلى المدارس ! إن حكومة المقالع والكسارات، التي تمارس سلطة قوة إحتلال وعداء لكل اللبنانيين، تنتقل مع مشروع الموازنة إلى مرحلة التغول على حياة الناس، مرحلة ضرب التعليم عموماً الذي شكل لعقود القيمة المضافة الأساسية التي ميزت اللبنانيين!