
111 قاضياً توقفوا عن العمل منذ أمس الجمعة ويتردد أن العدد يصل إلى 150 وهو إلى إزدياد، والسبب رفض الإهمال اللاحق بالقضاة بعدما خسرت رواتبهم نحو 90% من قيمتها.. القرار يعني حالة شلل في المرفق القضائي، الذي برغم تبعية الكثير من الوجوه البارزة فيه وإلتحاقهم بخدمة منظومة النيترات، ما زال التعويل كبير عليه لإحداث إنتفاضة قضائية تضع حداً لعملية التطويع والإساءة للعدالة!
توازياً، هناك نحو 3000 إستاذ ثانوي، قدموا طلبات إجازات وإستقالات، في أكبر إدارة ظهر واسعة للتعليم الذي تجاوز الإنهيار الذي يشهده كل الخطوط الحمر. هو إنهيار مسببه الأول هناك في وزارة التربية، أقله من زمن “إنجازات” الياس بوصعب إلى الوزير الحالي عباس الحلبي، حيث تم حشو القطاع بنسبة كبيرة من المدرسين غير المؤهلين، وإنعدم الإهتمام كلية بالبرامج وترشيد الإدارات لأن الأولوية ذهبت نحو وضع اليد على موازنات كبيرة قدمتها الدول المانحة وهي مرتبطة باللجوء السوري كما بالبيئات المستضيفة. المدرسة الثانوية التي شكلت يوماً جانباً من القيمة المضافة للبلد يتم القضاء عليها!
وحتى تكتمل الصورة فإن طلب الإجازات والإستقالات في التعليم الأساسي بلغت نسبة فلكية..وتوازياً تهجر الكفاءات الجامعة الوطنية التي شكلت لعقود أبرز المنارات اللبنانية والرافعة الأولى للقيمة المضافة البشرية للبنان. واليوم مع بدء العمل في الجامعات الخاصة والمدارس وبالطبع مدارس حزب الله، يتردد أن القرطاسية غير متوفرة في الجامعة الوطنية، وتفتقر المدرسة الرسمية حتى إلى الطبشور!
لكن أبشروا فحكومة حزب الله لتصريف الأعمال التي جيءَ بميقاتي لرئاستها، وفي زمن إمساك نبيه بري بناصية النقد ورغيف اللبنانيين، بعدما بات بين يديه وزارة المالية وبدعة التوقيع الثالث، وحاكمية مصرف لبنان، والمدعي العام المالي والمديرية العامة للإقتصاد وغيرها وغيرها..ستقدم، هذه الحكومة، أبرز الهدايا للبنانيين التي يتم تثبيتها في مشروع موازنة العام 2024 وتبدأ برفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 12% ولا تنتهي بالقرار الخطير وهو دولرة الضرائب وتحصيلها بالدولار الفريش!
بشحطة قلم يتجهون إلى إلغاء العملة اللبنانية، لكن أحداً لم يخبر اللبنانيين من أين سيأتي المواطن بالدولار؟ وهل هناك إمكانية في القطاعين العام والخاص لتأمين الرواتب بالدولار كما النفقات ومن أين؟ وكذلك نحو 18% من اللبنانيين العاملين في القطاع الزراعي كيف سيتم ترويج منتجاتهم بالدولار؟ ومن الأمور الخطيرة في مشروع الموازنة منحى “تشريع الرشوة”! فتحت عنوان “بدل خدمات سريعة وطارئة” لإنجاز المعاملات في اليوم ذاته، يتم توزيع الجزء الأكبر من الرسوم المضاعفة عدة مرات على موظفي الإدارة!
إنه زمن إنحطاطٍ وسقوط كل القيم وإندثار الأخلاق وغياب المسؤولية لدى متسلطين ناهبين لن يتورعوا عن المضي بعيداً في الإرتكابات، ومطمئنين إلى أن “الشركاء” في نظام المحاصصة الطائفي المقيت ليسوا أكثر من معارضة إستعراضية صوتية على العموم. معارضة تذكرت الدستور بعد نحو عقدين على الأقل من شراكة كاملة مع أصحاب مخطط إقتلاع البلد وتغيير هويته وتمزيق نسيجه! والجديد أن هذه المعارضة الإستعراضية، إلى تعويمها جبران باسيل وما ومن يمثل، تطورت أكثر مع الوقوع في فخ حزب الله. بعض منها يمتدح ظواهر ميليشياوية، كاريكاتورية اليوم خطرة في الغد، مثل “جنود الرب” و”جنود الفيحاء”، وكلاهما يقدم المبرر لوجود الأصل: ميليشيا حزب الله.. وتتسع الأصوات النشاز التي ترتفع في إطلاق مواقف قاصرة مثل الترغيب بمواجهات عسكرية، وتروج أخرى لعزلة وتقسيم بغلاف الفيدرالية وغيرها، على منوال عرفه البلد عشية الحرب الأهلية في العام 1975، ما يؤكد عدم الإدراك بالعمق الدروس التي أدت إليها الحرب الأهلية من دمار للإنسان وإنحطاط عام وخراب يعاني لبنان من وطأته حتى يومنا!
أما على مقلب الشغور الرئاسي فطروحات نبيه بري “الحوارية” وربط العودة إلى جلسات الإنتخاب بها في الصدارة! ورغم ما يحيط بالدعوة من إلتباسات، فإنها تحمل أمر عمليات إيراني أكدته زيارة وزير خارجية إيران، الذي أعلن أن طهران مستمرة “في دعم محور المقاومة من أجل الحفاظ على المصلحة الوطنية” وتبعاً لذلك إلتقى نصرالله وبري وقادة حماس والجهاد وإستغل منبر الخارجية للترويج للطروحات الإيرانية، ومن بينها السعي لتطويق التحرك الفرنسي..
هنا لافت جداً أن دعوة بري “الحوارية” المتأخرة جداً، تزامنت مع الزيارة المرتقبة للموفد الرئاسي الفرنسي لودريان، للقول أن الحوار الأفعل يقوده بري ومن خلفه حزب الله وطهران؟! لكن رغم كل ما يشوب هذه الدعوة من هِنات، فالرفض من بعض المعارضة الذي أطلق من على السطوح، ليس أجدى وليس هو الأمثل خصوصاً مع الإستمرار بسياسة لاعقلانية حيال باريس، رغم التطور في موقف الأخيرة الذي ساهم به إجتماع اللجنة الخماسية قبل فترة إلى الخطاب الأخير لماكرون الذي للمرة الأولى تضمن تحميل طهران المسؤولية عن السياسة المزعزعة للإستقرار في المنطقة، وبينها بالتأكيد حجز الرئاسة اللبنانية والإستثمار إلى ما شاء الله في الشغور الرئاسي!