1. Home
  2. لبنان
  3. الكوليرا… وباء الإهمال والاستهتار
الكوليرا… وباء الإهمال والاستهتار

الكوليرا… وباء الإهمال والاستهتار

31
0

لم يكد اللبنانيون يتنفسون الصعداء مع انحسار جائحة كورونا التي ألحقت بهم منذ العام 2019 الكثير من الويلات والمصائب، حتى اندلعت شرارة الكوليرا المُلتهبة مهدّدة من جديد صحّتهم وسلامة حياتهم. الوباء الذي يُعتبر من أشدّ الأمراض فتكاً وأسرعها انتشاراَ لا يقلّ شراسة وخطورة عن الـ COVID-19، فهو بالتأكيد سوف يُضاعف هموم المواطنين المحرومين من أبسط حقوقهم الاساسية والرازحين تحت وطأة المعاناة والمآسي اليومية، والعاجزين عن تأمين مصاريف الاستشفاء والدواء والطبابة. كما أنّه سيزيد من أعباء القطاع الصحي المنهار والمنهك أساساً جراء تداعيات الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعية والسياسية المدمّرة التي أدّت إلى هجرة جماعية للعديد من الأطباء والممرضين، وإلى إغلاق أقسام بعض المستشفيات وتقنين خدمات البعض الآخر.

منذ شهر تقريباً، تمّ الاعلان عن انتشار الكوليرا في سوريا، رافقه تحذير من تحوّله إلى “مرض مستوطن” وتخوّف من انتقاله إلى البلدان المجاورة. أيام قليلة وتحوّلت هذه المخاوف إلى حقيقة مع تسجيل لبنان في 5 تشرين الأول الإصابة الأولى بمرض الكوليرا في محافظة عكار الشمالية، منذ العام 1993. عدد الاصابات يزداد بشكل متسارع يوماً بعد يوم حيث تجاوز حاجز المئتين إصابة والخمس وفيّات، في ظلّ تردي جودة الخدمات الصحيّة وتآكل البنية التحتية، خاصّة إمدادات المياه ومرافق الصرف الصحي، فضلاً عن ارتفاع مستويات التلوث حسب ما أشار إليه وزير الصحّة. هذا بالإضافة إلى الاستهتار بمعايير النظافة وغياب الرقابة على المنتجات والمواد الغذائية وتصاعد أزمة النفايات والصرف الصحي ، ناهيك عن ارتفاع سعر المحروقات وانقطاع التيار الكهربائي وتزايد ساعات التقنين القاسية التي تطال محطات تكرير مؤسسات المياه وبالتالي الحؤول دون إمكانية ضخّ مياه نظيفة واللجوء إلى مصادر أخرى من أجل الحصول على مياه لا تراعي السلامة العامة.

لبنان، وفق منظمة الصحة العالمية، هو أحدث بلد يتفشى فيه المرض، الذي بدأ ينتشر في أفغانستان شهر حزيران الماضي، ثم امتدّ إلى كلّ من باكستان وإيران والعراق وسوريا. ومع هذا التفشي المقلق للوباء والمتزامن مع سلسلة الأزمات المتشابكة التي تمرّ بها البلاد، ينبغي اتخاذ جميع الاحتياطات والتدابير اللازمة من أجل احتواء المرض والحد من توسّعه لا سيّما وأنّ رقعة الانتشار لم تعد تقتصر على مخيّمات اللاجئين السوريين فقط بل تتعداها لتشمل اللبنانيين في بلدات ومناطق مختلفة. فعلى أبواب فصل الشتاء ، يقف لبنان اليوم أمام كارثة حقيقية بعد أن دقّت مصلحة الأبحاث العملية الزراعية “لاري”، ناقوس الخطر محذّرة من أن مجاري المياه والقنوات والأنهار مليئة بالأوساخ، وملوثة بمياه المجارير، وبما أن تمديدات مياه المجارير والأمطار مغلقة بالأوساخ، فإن ذلك سوف يؤدّي إلى فوران المجارير ودخول سيول منها إلى سيارات ومنازل المواطنين. فهطول الأمطار المتوقع قد يؤدي إلى تشكل بحيرات من المياه الآسنة التي تساهم في انتشار التلوث، وبالتالي تفشي أمراض مثل اليرقان والكوليرا، ويضاف إلى ذلك ريّ المزروعات بمياه المجارير، ومن هنا على كل مواطن التأكد من نظافة الصهاريج والمياه التي تصل إلى منزله.

وزارة الصحة تسعى جاهدةً إلى نشر حملات التوعية والعمل على توفير اللقاحات والأمصال اللازمة وتجهيز المستشفيات الحكومية والخاصة وبناء المستشفيات الميدانية لاستقبال المصابين. وبالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، تمّ تأمين مادة الكلور المعقّمة ومادّة المازوت لشغيل محطات ضخ المياه وبعض محطات تكرير المياه المبتذلة ، غير أنّ يداً واحدة لا تصفّق وتبقى هذه التدابير ناقصة وغير مستدامة إذ أنّ مواجهة الوباء الداهم تتطلّب استنفاراً جديّاً وتدخّلاً عاجلاً من قبل الدولة بكافّة قياداتها ومؤسساتها وأجهزتها وليس فقط على مستوى وزاري من أجل فرملة عجلة انتشاره والتشديد على ضرورة الالتزام بتطبيق معايير السلامة العامة والمباشرة بعمليّة فصل مياه الصرف الصحي عن مصادر مياه الشرب وري المزروعات.

مع توفير البيئة الحاضنة لانتشار جميع الأوبئة الفتاكة والقاتلة ، يرتفع منسوب الخطر إلى أعلى المستويات والكوليرا النابعة من بؤر الفقر والتلوّث التي يغرق بها اللبنانيون نتيجة إهمال الدولة وعجزها عن تأمين أبسط الخدمات الأساسية سوف يُصيب عدواها الجميع دون استثتناء والاستهتار في صحّة المواطن الغير قادر على الوصول إلى غذاء صحي ومياه نظيفة يُنافي الأخلاق والشرائع ، ليبقى دائماً الحلقة الأضعف والوحيد الذي يدفع الثمن الأغلى من صحّته وجيبته.