عندما يكمل عنك شبابًا وشابات ما بدأه شعب بأكمله، غير آبهين بقلةِ حيلة بعضٍ أو يأسِ بعضِ أو جعجعة بعض… يواجهون بلحمهم الحيّ دولةً أقل ما يقال فيها بوليسية، تسترت على المجرم وتماشت مع القاتل وغطت على السارق، بل أصبحت ساعده والجلاد الناطق بأمره… سطوةً على رقاب أصحاب الحق والقضية.
قضية شعب نُهبت أمواله من منظومة المصارف وقوّاديها من الساسة والطغمة الحاكمة، وبدل أن ينال هؤلاء القصاص والعقاب وأقله إعادة الودائع للناس؛ باتت الخطط والموازنات تسنّ لتشريع هذا الاغتصاب وبمعاونة المؤسسات التنفيذية والتشريعية كالعادة -مع معارضتها من الداخل- واليوم الأمنية…
ما شهدناه الأول من أمس خيرُ دليلٍ على تحوّلنا لهذه الدولة القمعية الراعية لحكم المصارف وجبروتها، زمرة عصيّة من الشابات والشباب قرروا المواجهة منددين باحتجاز رفاقٍ لهم في النضال، جاءوا من عكار لمساندة صبية كل همّها علاج اختها بعد أن طال السرطان جسدها وجسد هذا الوطن وضمائر المسؤولين عنه.
وحده مطلب العيش بكرامة ما جمعهم رافضين السجن للناشطيّن عبد الرحمن زكريا ومحمد رستم في قضية سالي حافظ ضد بنك لبنان والمهجر، رافعين الصوت وحرية التعبير المكفولة في الدستور فكان الرد عليهم بالعصيّ والرصاص الحيّ والتنكيل والسحلّ حتى منتصف الليل.
وتكمل هذه الدولة وأجهزتها البوليسية فصول مسرحيتها وتحتجز مواطنًا آخرًا يدعى عبد الرحمن سوبرة الذي لم يشهر سلاحًا ولم يهدد أحدًا، بل جلّ ما أراده وديعته ليعطي الناس حقها وأموالها التي في عهدته والعهدة في يد الطاغوت، هذا الذي سيبيح كل ما من شأنه إذلال من فكر يومًا باستعادة الحقوق.
هذه هي دولتي يا أعزائي، الباطل مشرّع والحق مغتصب.. ومن سيجابه هؤلاء المحتجزين بأنهم هم الجناة الذين سلكوا سبيلًا خاطئًا في استرجاع الودائع… أقول لهم فلتصمتوا…
من شرّع الغاب هم من تركونا بلا ماء ولا كهرباء ولا بنى تحتية، وهرّبوا خبزنا ودواءنا وباعوا أرضنا وحقولنا النفطيّة، وعطلّوا القضاء واستباحوا دماء أبناء المرفأ الزكيّة … النار تأكلونا من كل حدب وصوب، وأنتم لا ناقة لكم إلا بالنعيق والتنظير أو حفظ رؤوسكم مع هبوب الريح.
قولوا خيرًا أو التزموا الصمت، لأن في بلادي ما زال هناك من يغير المنكر بيده ويرفض الفساد بصوته ويواجه الأجهزة بجسده.
طوبى لكم يا رفاق….
اليوم وقفة تضامنية جديدة أمام قصر العدل، درب النور واحد ولظلمات دولتنا نفاق وأنفاق.
