1. Home
  2. العالم
  3. بداية أفول الشيعية السياسية
بداية أفول الشيعية السياسية

بداية أفول الشيعية السياسية

35
0

تب باتريك جيه بوكانن كتاب تحت عنوان ” موت الغرب” وهو سياسي ومفكر أميركي ومستشار لثلاثة رؤساء، ثم تبعه المفكر المغربي حسن أرويد بكتابٍ يحمل تقريبًا نفس الأفكار ولكن بمنهجية ولغة مختلفة بعنوان ” أفول الغرب”، طبعًا إن هذه الكتابات هو توقعات منطقية تعتمد على قراءة تاريخ الأمم ومقارنة مسارها التاريخي والحضاري بفصول السنة، ربيع وصيف وخريف وشتاء، وهذا النموذج من الأستقراء والأستنباط ينطبق على كل الأمم. ولكن القراءة يجب أن تكون بألية الرجل الاسكيمو، أي الرجل الذي ليس لديه أي تحيز سابق في الموافق أو في نظامه المعرفي كي يقوم بناء تصوره عن موضوعٍ معين. وهذا ما سوف أتبعه في قراءة المشهد الشيعي السياسي.

 ما حصل في العراق بالأمس القريب، بعد إعلان إنسحاب مقتدر الصدر وأعتزال تياره من الحياة السياسية، ليس موقفًا عابرًا ويمر مرور الكرام دون أن يترك أثرًا على المشهد العام في المنطقة عمومًا وفي العراق خصوًصا، فهذا التخبط الحاصل في البيت الشيعي السياسي الواحد له علامة فارقة على بداية أفول الشيعية السياسية في العراق خصوصًا والهلال الخصيب عمومًا، فهذه الهيمنة بدأت مع نجاح الثورة الايرانية بقيادة الخميني الذي أعلن عن تصدير الثورة بمفهومها الايديولوجي إلى كل المنطقة،  فإن الإنتشار بدأ فعليًا مباشرةً بعد سقوط النظام العراقي سنة 2003 وبعد سقوط نظام الطالبان في افغانستان، فسقوط صدام أدى إلى فتح البوابة الشرقية إمام التوغل الإيراني والتمدد في المنطقة العربية، مع وصول بشار الأسد إلى الحكم في سوريا، لقد أصبح النظام الإيراني له اليد الطولى هناك، فلقد كان حافظ الأسد يتمتع بعلاقات جيدة مع ايران ولكن هو من يدير هذه العلاقة على عكس أبنه الذي تبدلت الأمور مع وصوله وأصبح الإيراني هو من يسيطر على هذه العلاقة ويعزز من وجوده من خلال المراقد الشيعية حسب زعمهم، أما في لبنان فلقد أستطاع حزب الله الإنتقال من الحالة الحزبية السياسية إلى حالة إجتماعية بمفهومها الايديولوجي وعزز من وجوده من خلال شعار المقاومة والتحرير وأصبح دويلة بديلة عن الدولة بالنسبة للشيعة، هكذا يكون قد إكتمل الهلال الشيعي بمفهومه السياسي الممتد من طهران مرورًا ببغداد ثم دمشق وصولاً إلى بيروت حيث شكلت، طبعًا واقع صنعاء العاصمة اليمنية مختلف عن باقي العواصم العربية ولن نتكلم فيها الان، فهذه الحالة المتضخمة  بدأت بالأفول والتراجع التدريجي وهي واضحة المعالم إن كانت في العراق أو في سوريا أو في لبنان لعدة أسباب، والسبب الرئيسي أنها لم تنتج حضارةً إنسانية قادرة على إنتاج ثقافةٍ سلسة وإنسيابية بالمعنى التمدد والتمدن، يقول أرنولد توينبي:” أن الحضارات لا تموت إنما تقتل نفسها بنفسها”، وهناك أمثلة كثيرة مثل الحضارة الرومانية التي سقطت لعدة أسباب، أحد أسباب زوال أمبراطوريتها هو أعتناقها المسيحية وهي تناهض طبيعتها البنيوية الوثنية، والحضارة العثمانية وغيرها من حضاراتٍ، ولكن ما هي مؤشرات الأفول؟
 
الحضارة الثقافية:
 ماذا تعني كلمة حضارة؟ ولماذا يتسق المفهوم الحضاري مع أي كيانٍ سياسي وُجد في بقعة جغرافية معينة؟ فالحضارة بالمعنى الإصطلاحي تعني  الحضور لأي كيان ببعده الثقافي والمادي والروحي، السؤال؟ هل أنتجت إيران مهد الشيعية السياسية في المنطقة أي ثقافةٍ إنسانية أو تاريخية و أي وجهٍ اخر؟ فلنذهب إلى لبنان ونأخذ حزب الله نموذجًا حيًا، لقد طرح حزب الله ثقافة غريبةٌ عجبيةٌ على المنطقة، فهذا أدى إلى زيادة الهوة بين البيئة الشيعية التي حملت لواء الشيعية السياسية وباقي البيئات المختلفة، فالأولى تمثل البيئة الإيرانية ببعدها الثقافي القومي والثاني يحمل هوياتٍ مختلفة ولكنها متفقة نوعًا ما على طبيعتها العربية الوسطية، فتحول الصراع من صراعٍ سياسي إلى صراعٍ ثقافي، ولكن الثقافة التي جاء بها حزب الله تم حمايتها بالسلاح، فإن ذهب السلاح ذهبت الثقافة بكل مندرجاتها وعناصرها، من هنا ندرك أنها ثقافةٌ مرحلية غير قابلة للحضور لأجيالٍ لاحقة كما حصل للفاطميين على يد صلاح الدين في مصر. يعتقد البعض أن سوريا أصبحت شيعية بالمفهوم الايديولوجي، ولكن هذه نظرة سطحية، فإن تفريغ المنطقة ديمغرافيًا وتغييرها مذهبيًا لن يغير من هويتها  الثقافية الحاضرة بقوة بطابعها العمراني والتاريخي، مع ذهاب النظام السياسي يعود النظام الإجتماعي إلى إصوله الثابتة والمترسخة منذ مئات السنين. حتى في لبنان، إذا تراجع وجود حزب الله السياسي والمالي، فإن وجوده الثقافي سوف يندثر بشكلٍ سريع. إذا ذهبنا إلى أي دولة عربية مثل الأمارات أو البحرين، نستطيع ان ترى وأن نلمس البعد الثقافي الأميركي من خلال المطاعم أو من خلال اللغة أو من خلال إسلوب ممارسة الحياة فهذا ما لم تفعله الحالة الشيعية السياسية.
 
الحضارة المادية:
منذ التضخم السياسي للحالة الشيعية المتحصنة بالمفاهيم الإيديولوجية الاثنى عشرية، هل قدمت نموذجًا ماديًا حضاريًا؟ هل سمعنا يومًا أن طالب عربي أو غربي ذهب ودرس الطب في إيران أو في العراق أو في سوريا؟ هل سمعنا يومًا أن الميلشيات في سوريا بنت مركزًا تربويًا غير ديني؟ هل سمعنا يومًا أن إيران تبني المدارس والجامعات التي تدّرس الطب والهندسة والعلوم الانسانية؟ هل سمعنا أنها بنت المستشفيات وغيرها؟ ما حال العدالة الاجتماعية في ايران نفسها؟ وتوزيع الثروات؟ هل إنتاج السلاح النووي مؤشر للتقدم الحضاري أو تطور الدول؟ باكستان وكوريا الشمالية دولٌ لديها أسلحة نووية، ولكن ما هو وضع حالة شعوبهم المادية؟ هنا يجب أن نسأل أنفسنا، الكثير من العالم العربي أثناء الثورات أو الربيع العربي هربت إلى الغرب ولم يفكر أحد أن يهرب إلى إيران لأنها لم تقدم أي نموذج إنساني يحتذى به ومنها البعد المادي المتعلق بالعلم والتطور التكنولوجي والرقمي وغيرها، حتى بالسلاح والقوة العسكرية، فلقد خسرت إيران وأخواتها المليشيات الطائفية في سوريا لولا التدخل الروسي والخلاف العربي وإلتقاء مصالح الغرب مع الشرق في وأد الثورة السورية وقتلها، فلقد فشلت فشلاً ذريعًا ولكنها نجحت في تدمير كل الحواضر العربية والإسلامية مثل الموصل وحلب وغيرها من مدنٍ أخرى. أما على المقلب الأخر لقد إستطاعت الولايات المتحدة الأميركية أو الحضارة الغربية أن تفرض نفسها من خلال وجودها المادي مثل الطب والعلوم والمعدات والتلفونات والسيارات وغيرها، إما الشيعية السياسية لم تقدم إلا الخراب والدمار والدماء.
 
صراع الهوية:
كلنا نعرف تاريخ العلاقة والخصومة العربية والفارسية وذلك الصراع الجدلي والأبدي، وهذا الصراع لا زال حاضرًا ضمن البيت الشيعي السياسي الواحد والديني أيضًا، فالنموذج العراقي هو خير مثال، إن الصراع بين الصدريين وبين الحشد الشيعي يعود جزئيًا إلى صراع الهويات والذي أسس مرجعياتٍ دينية مختلفة، فلا يخفى على أحد أن النزاع القومي حاضر في الصراع الحاصل، إن إيران الفارسية تغلغلت إلى المنطقة العربية منطلقة من أبعادها القومية والجذور التاريخية، وهذا شكّل عائقًا في التوسع الثقافي، وهذا بسبب التراكم التاريخي في الصراع العربي الفرسي منذ ظهور الاسلام وتدمير الامبراطورية الفارسية، فهذا الحقد التاريخي بقي محفورًا في وجدانهم، واليوم الصراع في العراق ضمن البيت الشيعي الواحد الذين يمثلون الشيعية السياسية، حتى في سوريا، كان هناك حالاتٍ كثيرة من الاشتباكات الداخلية بين المليشيات العربية والايرانية، وهذا بسبب الاستعلاء الايراني على القومية العربية، حتى في لبنان، رغم التحالف الاستراتيجي بين أمل وحزب الله، إلا أنه هناك صراعٌ خفي بين الطرفين ولن يبقى على حاله بسبب الأختلاف الثقافي بين حركة عربية وبين حركة ذي أصولٍ إيرانية مرتبطة عضويًا وثقافيًا وايديولوجيًا بإيران، فهذا الأختلاف البنيوي يؤسس إلى خلافٍ عميق وواضح المعالم.
 
كل هذه العلامات والمؤشرات وطبعًا إضافةً إلى أسباب أخرى متعلقة بطبيعة الصراع العالمي والأقليمي والتغييرات الاقتصادية، أدت إلى بداية أفول هذه الحالة السياسية التي لم تقدم أي سمة حضارية للمنطقة، على العكس، فلقد شرخت الشيعة عن بيئتهم العربية الأصيلة وأصبحوا مجتمع منعزل عن باقي البيئات الثقافية وأصبح هناك هوة وفجوة بينهم وبين الأخرين، وهنا تكمن الخطورة، فعلينا أن نميز بين الشيعية الفقهية والمذهبية وبين الشيعية السياسية، فالخصومة مقتصرة على السياسة ببعدها العسكري والسياسي نفسه، أما الجانب الديني فهذا يعزز من المفهوم الكوزموبوليتاني كمفهوم للتعددية المذهبية والثقافية في المنطقة العربية. ولكن في طور الأفول هذا، لا بد من طرح مشروعٍ جديد يستوعب كل هذا التنوع في المنطقة العربية مع الحفاظ على خصوصيات الجماعات والافراد والتنافس على السلطة الذي هو من صلب الديمقراطيات السياسية.

المصدر: عربي٢١