
وفي مساءٍ ماطرٍ..
نسعى فيه ما استطعنا إلى شحذ أرواحنا المتناثرة بفعل رعونة السنين وقلب الأزمات لكل الموازيين.. في خضم دفىءٍ نريده في نظرةٍ أو في كلمةٍ ومعنى.. نرى طفلًا يعمل حتى الحادية عشرة ليلًا بجمع الحديد والقارورات من الأزقة والطرقات…
لم يقوَ زوجي إلا على عكس اتجاه السيارة حبذا لو يعكس معه مصير مَنْ نصادف
ما اسمك؟! يجيب “جاسم”
كم عمرك؟! “عشرة” يرد الصغير ونحن نخاله يقول بعمر ما تحتفلون به اليوم
ولماذا تجمع كل هذا يا جاسم؟!
لأبيعه عند المرفأ وأقدم المال لأهلي علّه يعينهم على إطعامي وأخوتي فأنا أكبرهم؛ هكذا بثقة نطق ابن العاشرة ليتركنا نتخبط بلا أمانٍ أو كلام.
ثم نطقنا…
جاسم عدّ الآن إلى بيتك ودع والدتك تُذهب عنك البرد واليأس… غدًا ستبيع حصيلة ما جنيّت كما باعوك من أجل بارود ورصاص وكرسي، كما باعوك كبار بلدك منصبًا وصغار قومك قلبًا.. قلبًا اقتات على جثثكم ودمائكم واستقراركم.
عدّ إلى بيتك بالله عليك يكفيك ما أنت فيه يا صغيري
عدّ فالله أكبر عليهم وعلى كل من شرّع الحروب أينما كانوا من سوريا إلى روسيا وخسرنا معها أرواحًا آخرها في أوكرانيا…
عدّ فلعنة الله على الظالمين أينما حلّوا بقراراتهم وإنسانيتهم وضمائرهم التي تسمح لطفل بعمرك أن يجوب الساحات والبلدان وأصقاع الأرض بدل راحة الأَسرّة والأُسرة والسريرة..
لاجىء يسلّم لاجىء وما زالت يد البطش دوّارة في أكثر من هيئة ونظام ومدينة.
آلة قتل وراءها ترسانة حرب لا تقف عند براءة أو كهولة أو أمومة.
عدّ أدراجك يا حبيبي فأمثالك يجب أن تحميهم الرموش لا تبكيهم العيون..
طبت يا صغيري وأترابك بخير..
أينما كنتم.. رغم جور ما حولكم من شر..