يعاني القطاع المصرفي منذ أكثر من عامين من تعثر غير مسبوق، دفع المصارف العاملة في لبنان إلى تسييل دولار المودعين بالليرة اللبنانية بسعر مجحف وأقل بكثير من سعر السوق الموازي الذي تجاوز حاجز الـ 25 ألف ليرة للدولار الواحدة، في خطوة خبأت في طياتها “هيركات مستتر” على الودائع بالعملة الأجنبية. مصرف لبنان الذي كان قد قرّر سابقاً تمديد العمل بالتعميم 151 لتاريخ 31 كانون الثاني 2022، وذلك من أجل إعطاء الحكومة الوقت لتقديم مشروعها الإصلاحي، حسم بالأمس مسألة سعر صرف الدولار المصرفي، معلناً عن إجراءات استثنائية حول السحوبات النقدية من الحسابات بالعملات الأجنبية، معدلاً بذلك القرار الأساسي رقم 13221 والصادر في 21 نيسان 2020، بحيث ألغى نص المادة الأولى منه مستبدلا ًإياه بالتالي:
“مع الاحتفاظ بمفهوم القرار الأساسي رقم 13217 تاريخ 9 نيسان 2020، وفي حال طلب أي عميل إجراء أية سحوبات أو عمليات صندوق نقداً من الحسابات أو من المستحقات العائدة بالدولار الأميركي أو بغيرها من العملات الأجنبية، على المصارف العاملة في لبنان، شرط موافقة العميل المعني أن تقوم بتسديد ما يوازي قيمتها بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر 8000 ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد وذلك ضمن سقف 3000 دولار أميركي للحساب الواحد شهرياً”.
وبحسب الامانة العامة للمجلس المركزي في المصرف المركزي، فإنه إلى حين وضع خطة حكومية متكاملة وشاملة تتوافق مع المبادىء الاقتصادية والاصلاحية ومتطلبات صندوق النقد الدولي بما يسمح باعادة تفعيل ونمو الاقتصاد المحلي واصلاح القطاع المالي للتوصل إلى حلول عادلة ومتوازنة تحفظ حقوق المودعين وتشكل أساساً لاعادة الثقة، وفي انتظار الخطة الحكومية التي تسمح بتوحيد أسعار الصرف وحماية للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والحد من خسائر المودعين، كان هذا القرار من مصرف لبنان لكلّ من يرغب من الاستفادة من التعميم رقم 151. وأشارت إلى تأكيد مصرف لبنان أن إنصاف المودعين والحفاظ على أموالهم لا يمكن أن يتم إلا من خلال وضع الخطة المنوه عنها اعلاه وتنفيذها، تزامتاً مع ضرورة ملاقاته من خلال اتخاذ الاجراءات المناسبة والمبادرات الاساسية لدعم الاقتصاد وحمايته من زيادة نسبة التضخم ووضع السياسات الاقتصادية لسحب الكتلة النقدية عن طريق تفعيل الجباية وتوسيع قاعدة الشمول الضرائبي.
قرار المركزي هذا، في التوقيت والمضمون، سيشكل عاملاً إضافياً للضغط على الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية المتداولة في السوق. كذلك على سعر صرف الدولار في السوق السوداء الذي لم ينتظر كثيراً لكي يلامس عتبة الـ 26 ليرة لبنانية، الأمر الذي سينعكس ارتفاعاً في الأسعار التي تحلق منذ بداية الأزمة بدون حسيب أو رقيب، بحيث يأخذ التجار من تقلبات سعر الصرف حجة رئيسية للاستمرار في سياسة رفع الأسعار في ظل غياب رقابة فعالة تُلجم جنونها. اليوم، سيبدأ كل صاحب وديعة بالدولار الأميركي سحب 24 مليون ليرة شهرياً ستدعمه بشكل أو بآخر من أجل الصمود في مواجهة التحديات المالية والمعيشية. أما صاحب الوديعة بالليرة اللبنانية فسيبقى الحلقة الأضعف الذي يصارع وحيداً من أجل البقاء.