يشارف شهر أيلول على الانتهاء ليبدأ معه العد العكسي لمرحلة التوقف الكلي عن دعم المحروقات، فبعد أن تمّ تحرير عملية الاستيراد والتوزيع بالدولار للمازوت، ينتظر اللبنانيون بفارغ اليأس والخوف رفع الدعم عن البنزين خلال الأيام القليلة المقبلة، فالمخزون انتهى وأغلبية محطات الوقود أغلقت أبوابها مع تزايد الفلتان والإشكالات الأمنية واستمرار طوابير السيارات بشكل هستيري أمام ما تبقى من المحطات المفتوحة في ظل غياب أي آلية واضحة لرفع الدعم وتواصل تحكم المحتكرين والمهربين بمصير المواطنين وتحويل البلد إلى أسواق سوداء متنقلة تحكمها الفوضى والغوغائية.
أزمة استفحال المحروقات هذه خففت من رهجة تشكيل الحكومة الجديدة التي تزامن انطلاق عملها مع اشتداد ذروتها، الأمر الذي أدّى إلى إعلان المصرف المركزي عن قبوله فتح الاعتمادات للشركات المستوردة للنفط يسمح بموجبه إدخال البواخر الخمسة الراسية في المياه اللبنانية بالإضافة إلى باخرتين جديدتين وفق سعر الدعم المعتمد أي 8000 ليرة للدولار، ما يعني تمديد فترة الدعم. ولكن يبدو أن لوزارة الطاقة والمياه رأي آخر إذ أنها استبقت قرار رفع الدعم الفعلي بإصدارها جدول أسعار جديد للمحروقات ترفع فيه بشكل كبير سعر صفيحة البنزين 98 أوكتان من 130 ألف ليرة إلى 180 ألف ليرة و95 أوكتان من 126 ألف ليرة إلى 174 ألف ليرة، الأمر الذي يشير إلى تخفيف تدريجي للدعم وعدم وضوح الآلية التي تم على أساسها تحديد السعر الجديد، وهذا دليل قاطع على أننا دخلنا المرحلة الأخيرة وأصبحنا قاب قوسين أو أدنى من قرار رفع الدعم الذي تمّ اتخاذه ويتم التمهيد له بانتظار حسم التوقيت النهائي واختيار من سيكون له الجرأة الكافية للإعلان عنه.
الاعتمادات إن فتحت والأسعار إن حدّدت والبواخر إن نجحت في تفريغ حمولتها وتوزيعها على محطات الوقود لن تحل من الأزمة شيئاً، والبقاء على الإستمرار في سياسة الدعم ما هو إلا تمرير للوقت وتخدير للأزمة، فقريباً ستنفذ أموال مصرف لبنان المخصّصة للدعم والكميات المستوردة لن تكفي لإمداد السوق سوى أيام معدودة، والسوق السوداء لن تزول والمهربين والمحتكرين لن يتوقفوا عن مص دماء المواطنين ومشهد طوابير السيارات أمام المحطات لن يختفي، بل سيستمر وبشكل أقوى كلما اقتربنا من نهاية الشهر. فالكل ينتظر ساعة الصفر ولا أحد يرف له جفن أو يكلف نفسه اتخاذ أية إجراءات وقائية أو بديلة للحد من وطأة انعكاسات هكذا قرار على القدرة الشرائية للمواطنين سوى بث بعض الأجواء الايجابية المصطنعة من خلال إطلاق منصة التسجيل للبطاقة التمويلية في ظل شكوك تحوم حول كيفية تمويلها وتنفيذها.
لا تحتاج أزمة شح المحروقات إلى فتح اعتماد جديد أو إفراغ حمولة باخرة بل إلى إيجاد مخرج جذري قادر على تلبية حاجات السوق الاستهلاكية وردع عمليات التهريب والتخزين وإيقاف طوابير ذلّ المواطنين أمام المحطات. اليوم ومع تشكيل حكومة جديدة منهمكة بتحضير البيان الوزاري لنيل ثقة البرلمان، لا شيء جديد يذكر على صعيد وضع آلية فعالة لرفع الدعم، ولا خطط نافعة ولا استراتيجيات ناجحة، فقط حلول ترقيعية حتى بات من شبه المؤكد أن رفع الدعم سوف يستبق دخول البطاقة التمويلية حيز التنفيذ التي من شأنها التخفيف من وقع حدة انعكاسات الأزمة والتعويض على المواطنين، الأمر الذي سوف يزيد الطين بلّة مع نهاية آخر أيام الدعم.