Home زوايا الشيك ودوره في الحياة الإقتصادية في إيفاء الديون المستحقة بالعملة الأجنبية في ظل الواقع الإقتصادي
الشيك ودوره في الحياة الإقتصادية في إيفاء الديون المستحقة بالعملة الأجنبية في ظل الواقع الإقتصادي

الشيك ودوره في الحياة الإقتصادية في إيفاء الديون المستحقة بالعملة الأجنبية في ظل الواقع الإقتصادي

1.17K
0

مما لاشك فيه أن الظروف الإقتصادية التي يمر بها لبنان وإنهيار قيمة الليرة اللبنانية أثّر على القطاع المصرفي وعلى السحوبات والعمليات المصرفية وقد فُقدت الثقة بهذا القطاع نتيجة مخالفة المصارف للأعراف التجارية ولقانون التجارة اللبناني وقانون النقد والتسليف ، بل ولمخالفتها أسس النظام الإقتصادي اللبناني الذي هو نظام حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة وفق ما نصت عليه مقدمة الدستور ، فهذا النظام قائم على حرية التدوال (le libre echange) ومن ضمن ذلك حرية التصرف برأس المال وتحويله دون قيود .


إزاء ما تقدم ، وفي ظل الواقع القائم وتفاقم النزاعات بسبب إمتناع المصارف عن تمكين المودعين من سحب ودائعهم من العملة الأجنبية وشح الدولار في السوق وإحتفاظ التجار بالدولار النقدي ، عمد الكثير من المرتبطين بإلتزامات مالية بالدولار الأمريكي إلى إجراء معاملات عروض وإيداعات فعلية بموجب شيكات بالدولار الأمريكي بقيمة الديون معتبرين ذلك إيفاءً للدين وإبراءً للذمة .
وعليه ، يُطرح السؤال التالي هل يحق للمدين بدين نقدي بعملة أجنبية ناجم عن إلتزام عقدي إجراء معاملة عرض وإيداع فعلي بموجب شيك مسحوب من حساب المدين وإلزام الدائن بقبوله بإعتباره مبرئاً للذمة من جهة أولى ، وهل أن الشيك من جهة ثانية وفي الوضع الإقتصادي والمصرفي الحالي في لبنان يشكل قانوناً أداة وفاء فورية لدى عرضه على المصرف المسحوب عليه .
إن الإجابة على هذا السؤال يستدعي منا وبعد أن تم التعريف بالشيك وبدوره ، الوقوف على ما آل إليه وضع هذه الورقة التجارية في ظل كيفية تعامل المصارف مع الشيك ليبنى على الشيء المقتضى القانوني .

إن الشيك هو صك مكتوب يتضمن أمراً من شخص يسمى الساحب إلى شخص آخر هو المسحوب عليه بأن يدفع لشخص ثالث أو لأمره أو لحامله وهو المستفيد مبلغاً نقدياً بمجرد عرضه على المسحوب عليه وإطلاعه عليه .
من تعريف الشيك يتضح أنه يتضمن ثلاثة أطراف الساحب والمسحوب عليه والمستفيد ، كما أن الشيك يُسحب دائماً على مصرف أو على صيرفي ، فهو من هذه الزاوية ورقة مصرفية ومرتبط بعمليات المصارف ، أما أهم ما يميز الشيك عن سواه من السندات التجارية أنه واجب الدفع والأداء لدى الإطلاع وفور عرضه ، فالمادة /425/ تجارة تنص على ما حرفيته: ” إن الشيك قابل للإيفاء لدى الإطلاع وكل شرط مخالف بعد لغواً ” ، ومن هذا المنطلق يعتبر أداة وفاء وليس أداة للإئتمان ، وبذلك تتجلى وظيفة الشيك قانوناً كأداة ووسيلة لتحصيل وإيفاء المبلغ النقدي الملحوظ فيه فيحل بذلك محل النقود ، ومع ذلك ونظراً لكونة وسيلة قابلة للإيفاء لا يشكل تسليم الشيك بحد ذاته إلى المستفيد إيفاءً ناجزاً ، إذ يبقى الوفاء معلقاً على شرط تحصيل كامل القيمة المحددة في الشيك ، فالوفاء وإبراء ذمة الساحب لا يكون متحققاً إلا عند تحصيل قيمته .
بعد تعريف الشيك وبيان دوره ووظيفته نناقش مسألتين ، المسألة الأولى تتمحور حول ما إذا كان العرض الفعلي والإيداع لشيك بالدولار الأمريكي من شأنه إبراء ذمة المدين لدين بالدولار ، أما المسألة الثانية فتتناول مدى إمكانية إعتبار العرض والإيداع الفعلي لشيك بالدولار الأمريكي آداة وفاء لدى الإطلاع في ظل الواقع الإقتصادي والمصرفي الراهن في لبنان .
العرض والإيداع الفعلي لشيك بعملة الدولار الأمريكي إيفاءً لدين المدين النقدي بالدولار
إن المدين يهدف من وراء إجراء معاملة العرض والإيداع الفعلي بشيك بالدولار لدى الكاتب العدل إلى إبراء ذمته من الدين النقدي بالدولار والمتوجب عليه في حال لم يستلم الدائن الشيك رضائياً ، وإذا رفض الدائن إيداع الشيك فعلى المدين أن يعمد إلى إقامة دعوى بإثبات صحة العرض والإيداع للإستحصال على حكم يرمي من ورائه إلى إبراء ذمته من الدين بعد إعلان صحة العرض والإيداع ، فيكون من آثار الحكم إذا أضحى مبرماً إنقطاع سريان الفوائد على الدين وإبراء ذمة المدين وذلك من تاريخ الإيداع .
فالمادة /822/أ.م.م. تجيز للمدين الذي يريد إبراء ذمته أن يعرض على هذا الدائن بواسطة الكاتب العدل الشيء أو المبلغ الذي يعتبر نفسه مديناً به وعلى الدائن سنداً للمادة /823 /أ.م.م. أن يتخذ موقفاً بقبول العرض أو رفضه ، وفي حال رفض العرض على الكاتب العدل أن يبلغ ذلك إلى المدين والذي عليه وفقاً للمادة /824/ أ.م.م. وخلال عشرة أيام من تاريخ تبلغه أن يتقدم بدعوى لإثبات صحة العرض والإيداع ، وإن الحكم القاضي بصحة العرض والإيداع يعلن براءة ذمة المدين من تاريخ العرض والإيداع ومنذ تاريخ الإيداع ينقطع سريان الفوائد على مبلغ الدين وترتفع عن المدين مسؤولية التأخير .(المادة 825 أ.م.م.).
إلا أن الشك ووفقاً للمادة /425/ تجاري هو عبارة عن ورقة تجارية قابلة للإيفاء ، وبذلك فهو لا يشكل بذاته إيفاءً للدين وسقوطاً للموجب فوظيفة الشيك كما أشرنا في معرض تعريفه هو أداة ووسيلة لسداد وإيفاء الديون النقدية فيحل بذلك محل النقود ، وبالتالي ونظراً لكونة وسيلة قابلة للإيفاء لا يشكل عرض الشيك وإيداعه فعلياً لدى الكاتب العدل بذاته إيفاءً ناجزاً ، إذ يبقى الوفاء معلقاً على شرط تحصيل قيمته ،.
وفي هذا السياق فإن محكمة التمييز المدنية -الغرفة التاسعة -وبقرار لها ذات رقم 4/2020 – تاريخ 9/1/2020 – منشور مجموعة كساندر الإلكترونية ، أوضحت بأنه ومن مضمون نص المادة /822/ أ.م.م.يستفاد بأن الإيداع كي يكون فعلياً يجب أن يؤدي إلى إبراء ذمة المدين ، وأن الشيك وإن كان بالإستناد إلى المادة /425/تجارة قابلاً للإيفاء بمعنى أنه يعتبر وسيلة دفع وإيفاء إلا أنه لا يساوي الإيداع النقدي الذي يبرىء ذمة المدين .
والقرار التمييزي المنوه عنه قصد بذلك الشيك الشخصي المسحوب من حساب المدين لأمر الدائن لأن تحصيله يبقى مرهونا ومعلقاً على وجود مؤونة له ، فلا يستوي والإيداع النقدي ولا يصح إعتباره إيفاءً ، ولا ينطبق ذلك بطبيعة الحال على الشيك المصرفي الذي من شأن عرضه وإيداعه إبراء ذمة المدين لأن الشيك المصرفي الصادر عن المصرف تكون المؤونة فيه مضمونة ومحجوزة بعد نقل المؤونة من حساب المدين الخاص إلى حساب شيكات مصدقة وتدفع من هذا الحساب للدائن المستفيد .
العرض والإيداع الفعلي لشيك بعملة الدولار الأمريكي كآداة وفاء فورية ولدى الإطلاع لدين بالدولار في ظل الواقع الإقتصادي والمصرفي الحالي في لبنان.
إن المصارف ومع بداية إنهيار الليرة اللبنانية تجاه العملات الأجنبية لجأت إلى تقييد السحوبات على الودائع بالعملة الأجنبية يشكل رئيسي (Capital Control) وإلى الإقتطاع منها( Hair Cut) ، كما رفضت إجراء الحوالات المصرفية ، وصولاً إلى تعطيل المصارف لدور الشيك في الحياة التجارية مخالفة بذلك الأحكام القانونية التي ترعاه بحكم الأمر الواقع .
إزاء ما تقدم ، هل يمكن للدائن في الظروف الراهنة القيام بمعاملة عرض وإيداع فعلي لدين بعملة أجنبية مستحق الأداء ناجم عن إلتزام عقدي حتى وإن لحظ العقد إمكانية الدفع بموجب شيك بعملة العقد ؟.
في إطار معالجة هذه النقطة وحتى لا تثار مسألة تعليق الإلتزامات العقدية عملاً بقوانين تعليق المهل المتعاقبة، فإننا نتحدث في هذا المقال حصراً عن الديون بالعملة الأجنبية المستحقة خارج فترات التعليق ، كما لا نتناول مدى إمكانية إيفاء الديون الأجنبية بالعملة اللبنانية ، فالنقطة القانونية المثارة تقتصر على مناقشة إقدام المدين على إجراء معاملة عرض وإيداع فعلي لدين بعملة أجنبية مستحق الأداء وقد لحظ العقد إمكانية دفعه بموجب شيك بعملة العقد .
من العودة لنص المادة /425 / تجارة يتبين أهمية الشيك بكونه يقوم مقام النقد كآداة دفع فورية ، ويضيف النص أن كل شرط يمنع تحصيله فوراً ووفقاً لقيمته يعد هذا الشرط لغواً وباطلاً لكونه لايأتلف مع الدور المعطى للشيك وفقاً للنص القانوني المذكور .
فالمادة /425/ تجارة تنص على ما حرفيته: ” إن الشيك قابل للإيفاء لدى الإطلاع وكل شرط مخالف بعد لغواً “
فالشيك إذاً :” هو وسيلة فورية للدفع مثل النقود بكونه معداً للدفع عند الإطلاع ” (تمييز جزائي،غرفة خامسة ،قرار رقم 130/2004 ، منشور في مجموعة كساندر الإلكترونية )
ومع ذلك ، أضحى من المسلم به أن الشيكات ومن خلال ممارسات المصارف وتعسفها لم تعد تؤد الوظيفة التي أنشات من أجلها ، فالمصارف تمتنع عن تسديد قيمة الشيكات وتطلب إيداعها لتحصيلها على دفعات وبعملة غير عملة الوديعة وبعد الإقتطاع منها ، فسلوك المصارف يعتبر سلوكاً تعسفياً وتعطيلاً لنص المادة /425/ تجارة ولوظيفة الشيك ، ما يفقده دوره كوسيلة وفاء فورية فالشيك وفقاً للمادة المشار إليها قابل للإيفاء لدى الإطلاع.
وفي هذا المجال فإن القضاء المستعجل أوضح بأن الشيك لم يعد في هذه الظروف – نتيجة سلوك المصارف – يؤدي الوظيفة التي شُرّع من أجلها كآداة وفاء تحل محل النقود في المعاملات ، إذ أنه أضحى من المعلوم أنه وفي حال رغب حامل الشيك إعادة فتح حساب مصرفي جديد بموجب الشيك لدى مصرف آخر فقد بات ذلك متعذراً بعد أن عمدت غالبية المصارف في الآونة الأخيرة إلى رفض طلبات فتح حسابات لا سيما بعملة الدولار وإذا تم فتح حساب بالشيك يلجأ المصرف إلى تجميده . (يراجع القرار الصادر عن قاضي الأمور المستعجلة في بيروت ، قرار رقم 1/2020 ، تاريخ 3/1/2020،غير منشور ) .
وعليــــه ، ومع فقدان الشيك بفعل سلوك المصارف (بإعتباره ورقة مصرفية) لماهيته كوسيلة وفاء فورية لدينٍ عاجل غير آجل ، فلا يمكن والحالة هذه أن تشكل معاملة العرض والإيداع الفعلي بشيك -وإن كان شيكاً مصرفياً – إيفاءً لدين مستحق وذلك لإنتفاء دوره كأداة وفاء فورية ، وإن لحظ العقد في أحد بنوده إمكانية تسديد الدين بتاريخ إستحقاقه بموجب شيك ، وذلك إنطلاقاُ من القاعدة الكلية في العقود القائلة : ” أن الأمور بمقاصدها “، وأن :” والعبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ والمباني” ، فالنية لدى طرفي العقد عند إبرامه اتجهت الى القبول بالشيك كوسيلة إيفاء لكونه عند الاتفاق كان الشيك يؤدي الدور المطلوب منه ويقوم مقام النقد، وهو ما لم يعدقائماً ومتحققاً في هذه الظروف مما يجعل من العرض والإيداع بموجب شيك غير منتج وغير مقبول .